رسالة عقيم



ها أنا أخط رسالتي التي لم تكن الأولى ولن تكن الأخيرة، لولدي الأوحد الذي لم يأتِ ولن يأتِ، قد منَّ عليَّ القدر، وسرت السفن كما إشتهت الرياح، وتزوجت والدك يا بنيّ، والدك الذي أحببت وإخترت، من وجدته يكملني، ويحتويني، ويسكنني، لكن القدر كان كمن أعطاك زهرة، وسلبك حاسة الشم، فرغم كل مثالية حبنا وسعادتنا إلا أننا لم نكن قادرين على خلق جسد يحمل صفاتنا وتفاصيلنا، لم نتمكن من خلق روحٍ تجمع روحَيْنا ...


لا شيء يستطيع إيقاف شعور الأمومة الذي يجتاحني، آهٍ لو تدري يا صغيري كم إنتظرتك، كم رأيتك، كم بكيت شوقاً لك، كم حِكْتُ لكَ ثياباً من الصوف، في كل مرة أستجمع قواي وأبدأ في دوامة الرسم، أرسم عينا أباك، وأنفي، وفمٌ يجمع بين فمي وفمه، فأختلقك في ورقة ورصاص، ولكن ما إن فرغت من رسمتي تأملتها لدقائق، لساعاتٍ، لأيامٍ، أو حتى لأسابيع، ومن ثم أبكيها وأبكي قلبي عليها، يقيناً مني بأنك أجمل مما أستطيع رسمه أو تكوينه، أنا موقنة بأنك أجمل من أن أتمكن من خلق صورة تشبهك في خيالي، أنتَ بذرة حبي الأجمل.


أترى يا بُنيّ ؟

ها أنت تدرس الهندسة كما حلِمتْ، وتعزف البيانو وصوتك من أروع ما خُلق من أصوات، أنت تحقق ذاتك يا بُنيَّ وتعلو، تعلو كوالدك، كل تفاصيلك تذكرني بوالدك، حتى الخالة التي في يدك أخدتها عن أباك، حتى جمال عينيك، ونقاء قلبك، وكونك مميزاً جداً، وملفت للحبَّ جداً، ومناسب جداً لكل ما تختار، وتستحق حقاً كل ما تريد، أنت نوري الأوحد، وقلبي الثاني، وإكتمال روحي الثالث، وكل ما أفخر به أمام العالم أجمعين.

تم عمل هذا الموقع بواسطة