مِنْ بَعْدِ جَفافِ عيناهُ، وَهَزالةِ بَدَنِهِ الضعيفِ والوَهِن، وَتَرَقُب عَوْدَةُ البَسْمةِ لشفتيه، والفكر العميقُ الذي عَزَلهُ عن أَحِبَتَه، وُمُراقَبتهم له بعناية وصمت، والرُوِيِّ بانتظار لحظة انبعاثه من جديد، ولرؤية الأزهار تنبعِثُ رائحتها من جديد، وإنباتها بقلبٍ قد طغى عليه الحرمان، والخوف العميق من داخل أوصاله.
كان يلازمهم جسدٌ دون عقلٍ أو روح، ويحادثونه وهو ليس معهم، ولا يَشُدُ انتباهه لا أحاديثهم ولا حكاويهم، استسلم لليأس والرضى لما أصابه، وجَرَدَ روحه من حسه الفكاهي، وقضى ليالٍ عديدة ملازماً وحدته.
وقد نسج له من حَبْكِ الخيال، صديق خُرافِي يشاركه وحدته، ويشكي له ما تاق قلبه لإخراجه، وله هذا الصديق كل الفضل لمساندته، ولرفع قيمة معنوياته، للنهوض مجدداً من بين رمادِ احتراقه الذاتي، عاد كانبعاثه يوم ولادته، نَقِيٌ ومجردٌ من مشاعره الجافة، التي تُشابِه أوراقَ الشجر بالخريف.
تَيَّقنوا أنه مهما عزلتم أنفسكم، فمهما التزمتم الصمت، لا تؤذون سوى أنفسكم، وأرواحكم العائمة الباحثة عن النقاء، عودوا من بين الحطام، أعيدوا ترتيب أوراقكم المبعثرة.