[جوارح مُفَنَّــدَة]


بِلَحظةِ كآبةٍ وهُدُوءٍ وتزاحُمِ أفكارها،تعالتْ مشاعِرُها عليها ،كأنها خادِمَةٌ تخدِّمُ بِقصرٍ كبير ،أَمِيرتَهُ إِنسانةٌ ظالِمةٌ، لم تعد تعلم ما الَّذِي تُفكِّرُ بِهِ أو هل لا زالت على قيدِ الحياةِ...!

أصبحت كالجُثَّةِ الهامِدَةُ تختزنُ الكثيرَ منَ  الأحاسِيسَ لَكِنَّهَا مُهشَّمةٌ لا تصلُحَ لِ  جرعةِ حبٍ عميقةٍ،وكَلِّ تِلكَ الآلام لم تحدث لَهَا تِلقائِيٍّا بل خيباتُها وإنطفاء  روحها جعلوها فتاةٌ مُختلَّةُ الوِجدانِ، طفلةٌ لم تتجاوز العِشرينَ من عمرها لَكِنَّها ذاقت كلَ أنواع الآلامِ  ،إنها مزيجٌ مُختَلِطٌ بين الماءِ والنَّارِ إن اِحترق شيءٌ أطفئته المِياهُ لَكِنَّهُ سُرعانَ ما يَعود لِلِاشتِعالِ مُجددًا، مَزاجِيَّتُها وَصَمتها الدَّائِمُ قضوا عليها حَطَّموا أحاسِيسَها وهي لم تنبض بعد، لمْ تري للعالم عذابها ،كانت دوماً تُكابِرُ وَتَجعل البشرَ يَغْتَرون بِجانِبِها المُضيء ولا أَحدَ يَقدرُ على الاِقترابِ من ذاكَ الظَّلَامَ الذي سَكَن جوارِحها وَهشمَ فؤادها، في تَمامِ الساعَة الثَّانِيةَ عشرَ مُنْتصفُ اللَّيلِ بَين أَزِقَّةِ جُدرانِ غُرفَتِها الِّتِي شارَكتْها كُلَّ شيءٍ، تَبدأ بِطُقوسِها اللَّعِينةِ كَعادَتِها المُميتةِ تَجهَشُ بِالبُكاءِ حَتَّى تَتَوَرم عينيها وَتَنزِفُ دَمًا ، دَقيقةٌ واحِدَةٌ وَتَوَقَفَتْ عَنْ ذَرْفِ الدُموعِ حينَ شاهدتْ ذاكَ الطَّيْفَ مرةً اُخْرى يُلَوِحُ لَها، لكن هذِه اللَّيْلةُ تَخْتَلِفُ عَنْ كُلِ اللَّيالِيَ الَّتِي مَرَّتْ عَلَيْها، أمسك بِيديها وَحاوَل التَّخْفِيفَ مِن حِدَةِ آلامِها، قال لها أُريد أنْ أعرِف ما الذي أَوْصَلَ بَراءتك لهذِهِ الحالة تَنَهَدْت وَقالت ارحل, وَبَقِيَت صامِتة ,لكِنَّهُ لمْ يَتْركها وَبِلَحظةِ اِنفجارٍ قالتْ له :أَتريدُ حَقًّا أنْ أسْرُد لكَ ما بِداخِلِيَّ, حسنًا سَأسْمَحُ بَذلك، لكنْ هناك شُرُوطٌ إن وافَقتَ عَليْها أُحَدِثُكَ بِكلِ شَيءٌ .

قال لها: أَخْبريني بِشروطِك.

قالت :شُرُوطِي قاتِلَةٌ، وَهي أنْ تَدْخُلَ أنتَ بِجْسْمِك الصغيرِ داخلَ أََحْشائي وَأَوْردَتي وهكذا تَكْتَشِفُ مَشاعِري والتَّعَب وَكَمية الضُعْفِ التي أُزَيُنها بِالقُوَةِ وَالجَّبَروت الزائِفِ، ولا أُتْعبُ أَنا نَفْسي بَالكَلام وَمِنْ ثُمَّ تُبادِرُ بِالاِنتِحار، لِأَنني لا أُريدُ لِفَمِكَ اللعين أَنْ يَتَفَوه بِأَي كَلِمة، وَما أَنْ سَبَحَ في داخِلِها حَتَّى قَتَلتَهُ ،لم تقبل بِالسَّماحِ لَهُ بِالبَقاءِ ثانِيةٌ واحِدَةٌ،فَهِي سَتَبْقى تِلْكَ اللَّعْنةَ الأَبَدِيَة الُمصابة بِنِصفِ رُوحٍ، وَثُلُثِ  قَلْبٌ...



تم عمل هذا الموقع بواسطة