يُسقطني الحنين.

في مُنتصف الليل حيثُ ضاقت بهِ همومه، وهاجت مشاعرهُ، أصيبت أحاسيسهُ بالجنون، في ظل هذا كله كان جالساً في زاوية بيتهِ وحيداً، ولكنها كانت معهُ بروحها بحبها الذي يشعلُ الدفء داخل قلبهُ بأحضانها الباردة.

أحبها في العشرين من عمره وفي الستين سيف الفراق قطع وصالهم وماتت وهي بجوارهِ.

لم يتمالك نفسهُ لمن يبوح، لمن يبكى، لمن يظهر عجزه؟ أستند على عكازهُ الخشبي صنعها لتكون سندهُ عندما لا يكون له سندٌ بعد رحيلها.


أصبحت الساعة، الواحدة ليلاً، ذهب عجوزاً في مُنتصف الستينات يضربُ عكازهُ بالرصيف يخطو خطوة تلو الأخرى تجاهها، في كل خطوة تضيق بهِ الدنيا أكثر فأكثر.

وعندما وجد نفسه يقفُ أمام أعتاب المقبرة المُهمشة، كانت مقبرة قديمة جار عليها الزمن، قبورها مصنوعة من الرمال ويضعون فوقها أوراق الشجر، والورود.

في ظل هذا الليل وفي ظل عجزه لم يفقد الأمل، لأن يرى قبرها، فقد كان يضع عليه دائماً أزهار النرجس حيث كانت أول زهرة يهديها أياها، جلس بجوار قبرها كان صامتاً والجو بارد جداً والظلام حالك.

قال لها تمنيت أن أكون لكِ بيتاً كبيرًاولكن ما الذي حدث، ها أنا أنشطر نصفين نصفاً في الموت ونصفاً أخر في الحياة.

كان يظن بأنها تسمع مايقول، فبدأ يتلو لها ذكريات السنين، قال لها أتذكرين أول لقاء لنا بجوار الشارع الثلاثيني، عندما أهديتكِ الزهور وبرفقتها قبلتي الاولى، أتذكرين لماذا لا تجيبين ؟!

قال لها سأذكركي أكثر لربما غلبكِ النسيان، قال لها أتذكرين أول كوب قهوة لنا معاً في ذلك المقهي، كنا في العشرين من عمرنا رسمنا معاً ذلك البيت الذي سيجمعنا فوق تلك التلة، بجوار المياه ونلهو يومياً في الحقل بجوار نباتاتنا، أتذكرين لماذا لاتجبين ؟!

سقطت دموعهُ كالشلال ضاعت منه كل أحلامه في لحظة ليست بالحسبان، ضاع حبه وكل شئ له.

رغم أنها ماتت إلا أنه في كل يوم يضع كأسين من الشاي في الصباح لهُ ولروحها ويتلو القصائد بجوار ذكرياتها.


تم عمل هذا الموقع بواسطة