أيلول المتهم في حزنه والذي يطرق أبواب المغتربين ليعيدهم إلى انعكافهم في غربتهم..
بداية فصل الشتاء و الذي غزاه الخريف و تداخل في جنباته الصيف فبتنا نتوه بين تاريخ كان يعني المطر وواقع القحط هذا ، ويكأن سنن الحياة اختلفت و تبدلت كما تاه البشر عن فطرة الحب وأغرق الكوكب بالظلام !
صفرة الطبيعة كانت تداعب القلب لتذكرنا بأننا في دورة الحياة نسمو و نتفاعل مع أمراض الشتاء والخريف و قسوة البرد تعشق أجسادنا فتنهك الصلابة و تجبر الجسد على عقد هدنة؛ علّ حجرات العقل تتوقف و حجرات القلب تضعف فتعانق المحب بين عضدي الفؤاد .
أيلول حيث ضم تاريخ ولادتي و تاريخ لقائنا و فراقنا...غريب كيف جمع أنا الطفلة والناضجة والمراهقة في شهر واحد ،وكأن سنون عمري كلها اختزلت في شهر واحد ، شهر الحياة والعزلة شهر الحب و الفراق ..
لا أعلم الصلة بيننا أنا وأيلول ،أظن أنه الصديق الذي أشي له بكل خلجات الصدر ،ربما لا حاجة لي بالوشاية ،فهو يستقبل ذبذبات الاضطراب إن غزت حدودي ،وربما يبوح لي بأنني في نهايته سأنتهي .
عشق أيلول وترف شعور الخمول وكوب قهوة يتصاعد منه بخار الفوضى وفيروز تغني "ورقو الأصفر شهر أيلول "وربما في أحوال أخرى نزار و هو يكتب قصيدة سبتمر أظن المطر كان يغازل أرض دمشق أو التقيا في عاصفة مطرية أو جُرّت إليه ملامحها مع أول قطرة ويكأنه ربط بجر ذيول الذكريات على هيئة مطر ،في كل قطرة تسقط منا ذكرى ، وربما لذلك تمرد !
سنن الحياة هي، نلتقي لنقترق و نقترق لنلتق، هي الحياة في أي شطآنها سنرسو! تحملنا على كفيها و تبدل مواقعنا كيفما شاءت و تبعثر الأفئدة ، من هنا إلى هناك من شطر لآخر ومن فصيلة لأخرى،وبين هذا التلاطم نصل لأحلامنا حتى في الدقيقة الأخيرة وقبل انطلاق الصافرة !
انتهى اليوم الأول بكثير من التفكير الممزوج بالخوف بقليل من الإقدام.
في طريق الرجوع كانا يتحدثان عن ماهية المرض والهرم و العمر، لأول مرة أتوقف عند الكلمة الهرم أيمكن أن أصل هذه المرحلة؟
الهرم الفيزيائي وليس هرم الروح الذي يهاجمنا في منتصف العشرين تقريباً، أحلامنا الكبيرة والرغبة بأحداث فجوة في منتصف الأرض،
رغبتنا بتحقيق حلم الطفولة على الأقل دون التفكير بكل سوء العالم وبكل الشر المكتز بين أضلاع البائسين، أجل أجل البائسين الأشرار
مجرد بائسين تفاعلوا مع ظروف قهرهم بشكل غير سوي فباتوا مجرمين ويعثون في الأرض فساداً.
هذا ما تفعله أدمغتنا كلمة تنسج منها عالماً ينبثق من عالمنا النفسي، تقلبها وتفككها تماماً كعالم يفني وقته للابتكار ، لها الحق أليست
الأفكار والكلمات بنات العقل، لتفعل بهن ما شاءت ، ألسن يقعن ضمن النون المقموعة تقليدياً و المكرمة دينياً وبين الاثنين بحور
ووديان، كاسم الديانه المجمد في هوية وشهادة ميلاده!
كان يوم الثلاثاء مطلع أيلول، وبتساقط أوراق الخريف سقطت أحلام هيفاء أرضاً ومع أول يوم دراسي في المدرسة الثانوية قبل أربعة
أعوام تقريباً، سقطت في باحة المدرسة بفعل ارتفاع في درجة الحرارة المفاجئ كان السبب الظاهر و السبب الذي جمعني به في نهاية
المطاف، كان قشة تعلقت بها خلال الأعوام الثلاث الماضية، شيئاً جميلاً مبهراً و مدهشاً ولكنه سراب، تماماً كتلك الكذبة المفروضة
منا على العالم حتى!
قرر القلق أن يرافق لياليّ وبعد عدة وخزات من الإبر و الترحال بين عيادات الأطباء و كان التشخيص حمى البحر الأبيض المتوسط.
اضطرابٌ التهابيّ لعين يسبب نوبات حمّى كنوبات الاكتئاب لمن قرر الولوج إلى جحيم الانتحار ويغزو خلايا البطن والرئتين
والمفاصل التهابًا مؤلمًا فأغدو فجأة كمن داهمها سيل الشيخوخة في منتصف العشرين فأكون عجوزاً بملامح شابة .
"حمّى البحر المتوسط العائلية هي اضطرابٌ وراثيٌّ يحدث عادةً لدى شعوب البحر الأبيض المتوسط — بمن فيهم العرب واليهود
الشرقيون واليونانيون والإيطاليون والأرمن والأتراك. ولكنها قد تصيب أي مجموعة عِرقية."
و كانت هذه الحمى أولى أشيائنا المشتركة، حتى نوباتها كانت تباغتنا معاً وكأننا جسد واحد مزقه المرض في شخصين و جمعه العشق في
روح واحدة.
كنا ننتظر في القاعة لحين المعاينة الدورية يومها كان أول أيلول، و يوم مولدي الثامن عشر لو أنني استطعت اجتياز الامتحان لكنت الان
طالبة جامعية و بغتة
_أيهم
_عفواً
_اسمي أيهم وأنتِ؟
تجمدت ملامحي كأنثى بلهاء صُمّت لثانية ثم قطعت أفكاري لتجدد السؤال
_ما اسمك.. اعتذر قبلاً لكنني لم أركِ من قبل فأنا أتردد على عيادة الدكتور أحمد منذ سنوات اسألي عني الموجودات !
_ هيفاء..
_شوكلا
في داخلي كنت استغرب كيف فرضت نفسك على هذه الروح البائسة و المنتظرة للمجهول!
_ مؤمن بأن الموت لن ينتظرني لأحقق ما أريد، مؤمن بأنه يأتي بغته، دون استئذان
_ ولكنه لا يسبب الموت!
في تلك اللحظة شعرت بالسذاجة وهل يحتاج الموت لمرض حتى يزور قلوب المحبين !
وأنت ضحكت على سذاجتي حتى قطع هذا الحوار
_ السيد أيهم دورك.. الدكتور أحمد بانتظارك!
عندما خرجت لاحظت أن ابتسامتك قد بهتت! و كأن الأخبار لا تسر أبداً ..
نودي اسمي فنظرت إلى و ابتسمت ابتسامة كانت تقدس طيف عيني فأسرت باحتلالك لحيز ابنة الثماني عشرة عاماً وبضع ساعات!
بدأ الطبيب بالشرح عن المرض و أنه لا ثمة علاج مكتشف إلى الآن و أن لا فترة محددة بين هجمات الحمى.. و شرح عن التطورات
الممكنة بسبب هذا المرض و أنني قد أتعرض لتوقف مفاجئ في العضو الوحيد المسؤول عن عملية غسيل الجسم من كل الملوثات التي
تطاله بسبب تقلبات ما نشتهيه، فنحن عادة ما نكون ضعفاء جداً أمام غرائزنا! ميزان الفائدة و انعدامها مختل، مائل، مثلاً كم مرة أردنا
أن نبدأ بخطة جديدة و أجلنا ذلك بسبب أننا بدائرة السكون سعداء جداً أو هكذا يخيل لنا!
انتهى الموعد و حدد الموعد المقبل بعد اسبوعين لحين إجراء الفحوصات الروتينيه ستلازمني لمدى الحياة ربما،وحسب رغبة الحمى
بالتطور أو لا و ربما ينتهي حالي كأيهم ،أظن أنه لم يسمع خبراً يسره وشت عنه ملامحه !
جسد بلا مصفاة، بلا أكسجين ..بلا حياة ...جسد بعلامات بيولوجية و حيوية صدئة وروح تقاوم ...
أو تتسلل البرودة إلى مشاعر حواء وغريزة أمومتها فيتجمد جزء الحياة الكامن فيها وثم يستل السيف لتقتل بنظرات أخرى ،فتموت
وهي ما تزال في كامل أحلامها، في زوبعة الأفكار هذه هربت من بين أهداب العين دمعة فاستجمعت أفكاري وقلت لأتوقف مرة عن
استباق الأمور ،ستكون على ما يرام ألم يقل باولو كويلو في الخيميائي " عندما تريد شيئاً ما، حقاً، فإن الكون بأسره يطاوعنا لإيجاده"
وأنا سأكون بصحة وعافية و ستزول الحمى و أكون أول حالة تشفى هكذا بفعل قوة العظيم!
هاهي السماء زرقاء وصافية و غيمة بيضاء جداً، إبداع العظيم بالكون يخبرنا أن المستحيل لم يخلق بعد، لا صعب على من أبدع هذه
السماء و هذه الغيمة أن يزول هذا الألم إلى الأبد .
كانت الغيمة تشبه حلوى المارشميلو ولكنها بيضاء بيضاء ناصعة ،في النظر إليها سفر إلى قعر الروح ،تعيدنا لتذكر الكائن الأكثر لطافة
على الأرض ،هي كالأطفال نقيين لطيفين يحملون في أناملهم الصغيرة سعادة الكون القادرة على إزاحة ما علق في جمجمتك من تعب ،في
ابتسامتهم هروب من واقع فظ!
كان البصر لا يقع إلا على كل ما هو أبيض غيمة و طفل ومريول أبيض ،كان ملقاً على ذراع فتاة في عمري تقريباً، و محتضة لكتب و
استولى على ملامحها الارهاق ربما طب أو تمريض أو مختبرات ، شيء من هذا القبيل، تبتسم رغم الأعباء و كأنها حاربت طويلاً لتحصل
على المقعد، رن هاتفها و يبدو أنها إحدى صديقاتها تعاتبها على قلة الوصل فتخبرها الأخيرة
"مش فاضية احك راسي.. امتحانات و تدريب و جامعة و الدكتور ما برحم"
فعلاً لا يرحم أم أنه كالحياة تماماً يقسو لننضج! لنتعلم لنغدو أفضل!
في الآونة الأخيرة أصبحت فيلسوفة أكثر، أفلسف الأشياء، أظن أنني لن أحيا كثيراً! و أظن أن شيئاً ما سيلامس شغاف هذا القلب!
سماء زرقاء و غيوم ناصعة هذا المشهد يبعث في الجسد هرمون السيروتينين"هرمون السعادة"، يندمج بين ذرات الروح فيهلكه
فسادها و يبعث فيها نور الفطرة، تتفكر بأن القادر على رفع سماء دون عمد و بسط الأرض و رعاية الأشجار الباسقة و غيمة كهذه آسرة
قادر على قلب حالي للأفضل ثم أتى صوت المأذنه "الله أكبر" في كلمتين جلاء للقلب عما علق به من غبار الحياة فيذكره بأنه أكبر من
همك الزائل ومرضي القابع بين جينات جسد هزيل.
تحت شجيرة الياسمين كان يجلس أيهم وكأنه يتهامس مع عطرها و يبوح لها بشئ، مشهد جميل جداً ورائحة الياسمين تبعث الفرح في
أرجاء عالمه الصغير، عبرة هربت لتلامس ملامحه الهادئة، كنت أهم بأن أقترب منه في تلك اللحظة التي رن هاتفي فيها هي أمي ولا
أستطيع ألا أجيب :
_السلام عليكم.. وينك يا هيفاء!
_وعليكم السلام، أنا.. على وشك الوصول.. سأصل
_هل أنت على ما يرام؟
_ها، الحمد لله " كانت نظراتي معلقة عليه"
استدرت على إثر صراخ أحدهم ولم أعد أره، في تلك اللحظة جال بصري بحثاً عن مكانه!
جسد بلا مصفاة، بلا أكسجين ..بلا حياة ...جسد بعلامات بيولوجية و حيوية صدئة وروح تقاوم ...
أو تتسلل البرودة إلى مشاعر حواء وغريزة أمومتها فيتجمد جزء الحياة الكامن فيها وثم يستل السيف لتقتل بنظرات أخرى ،فتموت
وهي ما تزال في كامل أحلامها، في زوبعة الأفكار هذه هربت من بين أهداب العين دمعة فاستجمعت أفكاري وقلت لأتوقف مرة عن
استباق الأمور ،ستكون على ما يرام ألم يقل باولو كويلو في الخيميائي " عندما تريد شيئاً ما، حقاً، فإن الكون بأسره يطاوعنا لإيجاده"
وأنا سأكون بصحة وعافية و ستزول الحمى و أكون أول حالة تشفى هكذا بفعل قوة العظيم!
هاهي السماء زرقاء وصافية و غيمة بيضاء جداً، إبداع العظيم بالكون يخبرنا أن المستحيل لم يخلق بعد، لا صعب على من أبدع هذه
السماء و هذه الغيمة أن يزول هذا الألم إلى الأبد .
كانت الغيمة تشبه حلوى المارشميلو ولكنها بيضاء بيضاء ناصعة ،في النظر إليها سفر إلى قعر الروح ،تعيدنا لتذكر الكائن الأكثر لطافة على الأرض ،هي كالأطفال نقيين لطيفين يحملون في أناملهم الصغيرة سعادة الكون القادرة على إزاحة ما علق في جمجمتك من تعب ،في
ابتسامتهم هروب من واقع فظ!
كان البصر لا يقع إلا على كل ما هو أبيض غيمة و طفل ومريول أبيض ،كان ملقاً على ذراع فتاة في عمري تقريباً، و محتضة لكتب و
استولى على ملامحها الارهاق ربما طب أو تمريض أو مختبرات ، شيء من هذا القبيل، تبتسم رغم الأعباء و كأنها حاربت طويلاً لتحصل
على المقعد، رن هاتفها و يبدو أنها إحدى صديقاتها تعاتبها على قلة الوصل فتخبرها الأخيرة
"مش فاضية احك راسي.. امتحانات و تدريب و جامعة و الدكتور ما برحم"
فعلاً لا يرحم أم أنه كالحياة تماماً يقسو لننضج! لنتعلم لنغدو أفضل!
في الآونة الأخيرة أصبحت فيلسوفة أكثر، أفلسف الأشياء، أظن أنني لن أحيا كثيراً! و أظن أن شيئاً ما سيلامس شغاف هذا القلب!
سماء زرقاء و غيوم ناصعة هذا المشهد يبعث في الجسد هرمون السيروتينين"هرمون السعادة"، يندمج بين ذرات الروح فيهلكه
فسادها و يبعث فيها نور الفطرة، تتفكر بأن القادر على رفع سماء دون عمد و بسط الأرض و رعاية الأشجار الباسقة و غيمة كهذه آسرة
قادر على قلب حالي للأفضل ثم أتى صوت المأذنه "الله أكبر" في كلمتين جلاء للقلب عما علق به من غبار الحياة فيذكره بأنه أكبر من
همك الزائل ومرضي القابع بين جينات جسد هزيل.
تحت شجيرة الياسمين كان يجلس أيهم وكأنه يتهامس مع عطرها و يبوح لها بشئ، مشهد جميل جداً ورائحة الياسمين تبعث الفرح في
أرجاء عالمه الصغير، عبرة هربت لتلامس ملامحه الهادئة، كنت أهم بأن أقترب منه في تلك اللحظة التي رن هاتفي فيها هي أمي ولا
أستطيع ألا أجيب :
_السلام عليكم.. وينك يا هيفاء!
_وعليكم السلام، أنا.. على وشك الوصول.. سأصل
_هل أنت على ما يرام؟
_ها، الحمد لله " كانت نظراتي معلقة عليه"
استدرت على إثر صراخ أحدهم ولم أعد أره، في تلك اللحظة جال بصري بحثاً عن مكانه!
كاد انهاك الذكريات يقتل ما تبقى من حياة في جوفي، تتعبنا ذكرياتنا كما يتعبنا المرض، حرب البقاء، ومعركة النجاح و انهزام أنفسنا
وخضوعها ، فنهنأ ذاتنا ونعزيها في آن ، كل الحروب تستنزفنا فنبقى نصارع الحياة بالموت تارة تصرعه وأخرى ينتصر الموت!
اليوم الدراسي الأول لم يكن مثيراً جداً، تتساقط فيه حبات الخوف كما تهطل الأمطار من السماء، دخلت إلى غرفتي، فتشت عن ألبوم
الصور، و أرخيت جدائلي فوق الوسادة تأملت الصور في هدوء تام، وكانت تترافق الصور مع تنهيدة وصرخة الألم لمَ، نحن نعشق جلد
ذواتنا ونفتش عن قيود الألم لننعم بسجن الألم من جديد!
سقف غرفتي مسرح الذكريات البالية والتي تعرض في شريط فتنخدع المشاعر بالعرض فتظن أنها حدثت لتوها، ندرك بعدها مدى
الاختلاف الذي بدلنا بين اليوم و الأمس، لا ندرك بعدها أين كنا أكثر وهجاً ... أكثر حياة ...أكثر سعادة، أتوه بين حواري ذاكرتي، وأتوه
بين من بقي و آثر المغادرة بين من أخذه القدر و بين من اتخذ للقدر ذريعة للهروب، فأسباب الرحيل تشبه حروف اللغة منها نستطيع
تشكيل ما شئنا من أعذار مختلقة، وأسباب البقاء تشبه أحياناً فارساً مغواراً يمتطي جواده ليحارب من أجل النصر تشبه ركوب
المستحيل و لكن بإصرار الشريف على تحرير وطنه!
التقيت به مجدداً وكان القدر يرتب لقائنا، و يدفع بنا دون حول منا إلى ألم ما، وهل يسمى الحب حباً دون ألمه، من قال أن الحب
سنوات فرح وذكريات حبور! ما هو إلا نيران مشتعلة لا يخمدها ماء ولا تراب ...لا تخمد إلا بعيني المحبوب !
هذه المرة بادرت بالتحية، شيء ما يدفعني لارتكاب حماقة، ربما هي الحمى، هه سطوة الجينات على حياتي شيء محزن جداً يثير
الضحك و الدموع!
_أيهم، كيف حالك؟
_الحمد لله، و أنتِ؟
_الحمد لله، أيهم "ثوان من التردد ولكن الفضول قاتل" الزيارة الماضية لم تكن على ما يرام؟ هل من خطب؟
_قتيل يلفظ أنفاسه الأخيرة!
_حروف اليأس و شعور الاستسلام يقتلك يا أيهم، لا شيء آخر!
_ "بكامل أناقة يأسه" هه مرحلة متقدمة أدت إلى فشل إحدى الكليتين و الأخرى على وشك، كل ما أفكر فيه هو محض انتحار بخيوط
الأمل الواهية، و مع كل ذاك تخبريني أن الاستسلام يفصل بيني و بين الموت بضع خطوات و بضع مواقف معظمها سيكون محملاً بأنين
شفقة و ضربات موجعة أكثر من أم فجعت بفقدان ولدها بعد أن انتظرته تسع أشهر ....
ولد ميتاً!
أحياناً تصم الحروف من هول المشهد و يفقد الأمل ارتباطه الوثيق بالحياة لم أجد ما أقول له، كيف لي أن أجعله أكثر صلابة و كيف لي
أن أخرج من ظلم الاستسلام هذا، كيف لي أن أحطم قيود العجز بنيران حبي له الذي لا أدري أين وكيف ولمَ، لم أتصور لثانية أنني يوماً
ما سأحب ميتاً!
كانت النظرات في تلك اللحظة تعانق قلبه المنهك و عقله المشتت وتربت على يأسه ليترك روحه علها تشفى، لعنة الفراعنة أظنها جزء
من لعنة الحب! نظراته كانت تعاتب أوصال الإنسانية المتجذرة في قعر الروح و الواقع يكبل الجسد تاركاً اياه في حالة جمود، لا حركة ولا
كلام!
فعلها و قطع البرود قليلاً و جبن الرضى و تكات الساعة الثقيلة
_هيفاء، لا أعلم متى ولا كيف ولكن أخشى إن لم أقلها مت متشردقاً بحسرتها و ثم مت قبل الموت ألف و بعده ألف، و أخشى أن يلعني
قلبي في القبر فيعذب الجسد و تحرق الروح عدد لا نهائي!
لأول مرة أنتشي من فرط الأكسجين في صدري بحنا بها سوية في الساعه التاسعه و تسع دقائق و تسع ثوان و كان التاسع من أيلول
قبل سبع سنوات
_أحبك
ثم ابتسمنا و ابتسمت السماء فأمطرت و خرجنا من العيادة و كأنه يوم الولادة الثانية!
كان فصلاً خريفي الزمان ربيعي القلب لم يزهر قلبي قبله ولم أترنم على مفاتيح الحب قبلاً، كنا نتبختر فوق حروف و معاني و مرادفات
السعادة، كنا نتذوق خمر الحب المعاق نرسم للحياة ألواناً مختلفة!
كنا يوم كنا على قيد الحياة!
كانت الحياة تهديني فرح بشروق الشمس وتوسد القمر في الليل ،كادت أنسى أن في الحياة ألم ،نسينا أن المرض يقطن في هذا الجسد
سطوة السعادة تقتنص ساعات حياتنا فندفع ضريبة النشوة بقصر الوقت!
مر أسبوعان أقسمنا خلالهما بالوفاء لبعضنا في السراء و الضراء، في الموت و الحياة، في المرض و الشقاء، روحان في جسد، جسدان
بروح واحدة لا يهم، المهم أن لا ثمة فراق بيننا، مهما كانت العقبات و الصعوبات.
موافقة الأهل كانت كتحقيق الأمنية الأخيرة للمحكوم عليه بالإعدام أو شعور العطف على مريض يعاني من مرض عضال في مراحله
الأخيرة، قل فأمانيك الأخيرة مجابة!
لم يطل مكوث السعادة في جوارنا طويلاً، كان الحزن يتربص بينا و كأنه قال بعتك السعادة وحان وقت دفع ثمنها !
الثلاثون من أيلول كان موعد جلسة غسيل الكلى الأولى لأيهم، كنت ممسكاً بيده و كان يبتسم، كان يقول أخاف أن تنتزعي مني، أن
ينزعكِ هذا الجهاز العين مني، أن يبدل حبي كرهاً، أن يسرقني!
في الساعة الحادية عشر و إحدى عشر دقيقة، كان هناك شيء بيننا يبوح بالغرابة، نظرته إلي كانت كغير المعتاد، كان يضاعف جرعات
الحب كأنها الأخيرة، ينظر بشوق و يبتسم، يتجاهل الألم، صفير الموت خرج من المعدات الطبية التي تراكمت فوق جسده الهزيل، يده
الباردة و ابتسامته باهته، عيناه تقاومان، و يريد أن يقول شيئاً عندها، تسارعت دقات قلبي بات كمن في معركة و اشتممت رائحة
الموت، رائحته الكريهه، بت اتخبط، وهو كان هنا!
أمسكت بيدي ممرضة تتردي قميصاً ابيض اخرجتني، و تركت نظراتي معلقة بنظرات الباهت، كنت في عالم آخر... أوقف شلال الأفكار
المنهمرة، أمسكت صدغ الرأس و قلت له توقف وهو يأبى، صرخت إن رحلت فمن لي! توسلت و ارتكبت كل ما لا أستطيع ارتكابه في
حالة الوعي، عقل الحب يعمل دائماً و يترك له الحرية في تلك المواقف و يبتلى العقل بالصمم فيعجز أمام الجلل..
بعد وقت خرج طبيب ...
_أنا آسف، ولكن السيد أيهم لم يحتمل و حاولنا أن ننقذه ولكن القدر قال كلمته، الموت كان سريعاً!
الشئ الوحيد الذي قاله وكان حقيقة أن القدر قال كلمته، يوم لقائنا ويوم موته ويوم فراقنا الأبدي، شهر واحد كان قادراً على بعثرة
السكون و الركود سبع أعوام عجاف قتلت ما كان سعيداً وما كان على قيد الحياة ، بقيت أسيرة الألم وصبُ الحبِ و المرض مضت
سبع سنوات مكررة إلى أن زارني ليلة معاتباً على سكون حياتي و قررت أن أحيا لأجله هو!