جمعتنا تلك الظلمة وذلك البرد...
تلمست أصابعها الدافئة.....
آنستي الصغيرة ... إنني أشم عطرك وأنت لاتضعين عطرا...
شكرا لأنك أشفقت علي...وأنت تنظرين الى وجهي المتجمد بردا...
جمعتنا الصدفة في هذا الكوخ الخشبي وأغلقت الباب بالصقيع والثلج فلا مخرج إلا قربك وعبر عينيك الخائفتين علي...
أعلم انني بالنسبة لك مجرد أب حنون..
أنني لاأتعدى كوني قريبك الذي رباك وأنت صغيرة معدمة الحال لاأهل لك ولاأحباب...جمعتنا الصدفة لما ذهبت أبحث عنك قبل هبوب العاصفة الثلجية...انني لاأعرف شيئا الآن سوى،،،،أن تضمني ابنتي الى حضنها كي لاأتجمد بردا...
أن تضمني حتى أشعر أن ضلوعي لم تعد ملكا لي بل لها...وأن أنفاسي قد أختلطت مع انفاسها...فصهرنا بحرارة ذلك الحب الذي لم يولد بعد في بوتقة واحدة..إلى الأبد...وليت الضوء لايأتي عبر ثقب الباب...بل ليته ليل سرمدي مؤبد...كان ذلك عندما بلغت طفلتي الصغيرة عامها السادس عشر ...إنني الآن أدون ذلك فوق الورق في غرفتي كعاشق مجنون...ماالذي حدث لي ولم تغير شعوري فجأة لذلك الملاك الصغير الذي كنت احمله بين ذراعي ،،،،وأشتري له مايريد ويشتهي...طلباتها أوامر...ورغباتها مطاعة عندي...
في تلك الليلة تغير قدري ...وحل الربيع فؤادي وأنا الذي أكبرها ضعف عمرها...نظرت إلي بعينين حانيتين...
_ارجوك يافؤاد....
قالتها بصوت مرتجف..
_بابا فؤاد....أرجوك...ابق معي ولاتفقد وعيك...
كانت اطرافي تتجمد من البرد...وكيف لا وقد نزعت (بلوزتي) الصوفيه وألبستها لطفلتي الصغيرة كي تتدفأ بها...لأنني أحببتها أكثر من حياتي التي لم أقضها إلا بالطيش والعلاقات العابرة ولم أكن أعرف شيئا اسمه الحب ولم أؤمن به...فالنساء كوكبة تحيطني ..نعم أنا وسيم الطلعة طويل القامة ..أستطيع بنظرة بسيطة ان أوقع بحبائل مكري أية فتاة أريد...ولكن..ليس فتاتي...ليس ابنتي..تلك التي سهرت أياما وليالي أرعاها ...تلك التي لم أنم وأنا أرقبها في مرضها حتى تشفى...أحببتها منذ جلبتها والدتي إلى منزلنا لتقول لنا أن والديها قد توفيا بحادث سيارة وأن هذه الطفلة الملفعة بالقماط هي آخر شيء تركتها لها اختها التوأم...تلك التي ذهبت دونما رجعة...لم تستطع امي رعايتها لأن اخوي التوأم كانا في نفس سنها...أرادت أن تجلب مربية الى المنزل..ولكن لم تتحمل ميزانية الاسرة مصاريف مربية تمكث طيلة الوقت معنا لرعاية تلك الصغيره!!!
وهكذا كنت أنا...بابا فؤاد...الذي رباها...والذي رعاها..
ولم اشعر تجاهها إلا بشعور الوالد تجاه ابنته طول عمري حتى جمعتنا تلك الصدفة الحمقاء في ليلة خرساء وجعلت فؤادي يخفق للمرة الاولى في حياتي...
لقد جلبتها والدتي من بلد بعيد...هو مسقط رأسها ولأن قوانينهم هناك تعطي حق الحضانة للعم ..فقد طالب ذلك العم بعد سنوات طويلة بابنتي ...ورفع دعوة ضد والدتي ...وكانت تلك الدعوة سببا لرحيلها عني...سافرت طفلتي في سن العاشرة...ولم أرها حتى عادت إلي في سن السادسة عشرة...فتاة رائعة الجمال ،لم أصدق للوهلة الاولى أنها هي نفسها تلك الطفلة التي حملتها ذراعي وانا أهدهدها ليالي وأياما...تلك الطفلةالتي كنت ألاعبها وأناغيها..نفسها ،،،، تلك الطفلة التي تركض خلفي ولاتتركني أغادر مكانا إلا وكانت معي...
تلك الصغيرة (فاتن)...
أصبحت فتاة فاتنة ...
ونظرتها وأنا ارتجف في ذلك الكوخ الصغير قرب منزلي ...لقد ذهبت هناك تبحث عن كلبتها الصغيرة التي أهديتها إياها منذ كانت في العاشرة...قبل أن تغادر بلادي الى تلك البلاد العربية البعيدة...
غادرت مسرعة ولم تخبرني فلما أبطأت بالعودة وبدأت تلك العاصفة الثلجيه ،،خرجت مسرعا أبحث عنها...
يالتلكما العينين...إنهما تحيرانني..فلا هما سوداوان كالليل ولاهما زرقاوان كالبحر..إن فيهما امتزاجا بين هذين اللونين فتراهما يتغيران كل حين...خصلات شعرها السوداء سقطت فوق وجنتي ودموعها الساخنة لامست ذقني...
_بابا فؤاد...أرجوك ...أنا سوف أحاول ان أدفئك ..لاتفقد الوعي رجاءا...أرجوك...ماذا أفعل...ياالهي..
كنت احاول أن أتكلم ..لكن قواي خارت ولم يسعفني لساني ولافكي على الكلام..أصبحت ضعيفا جدا...كنت على وشك ان أفقد وعيي حقا ..لكن دفء أصابعها وأنفاسها الساخنة اللاهثة ،،،أقول ،،،لعل تلك ماكانت تبقيني يقظا حتى تلك اللحظه وأنا لاأرتدي سوى قميص قطني أزرق بلون عيني اللتين طالما أخبرتني فاتنتي أنها تحبهما...
_بابا فؤاد...أحب زرقة عينيك...
ماذا حدث لي ...كان قلبي يشتعل ،،،بينما جسدي ينجمد...
متى يأتي الصباح..كنت أتمنى أن يأتي لنخرج من ذلك الكوخ وأعيش لأجلها...لأخبرها ..أو ،،لالا...أنا لاأقوى على اخبارها.....بل ،،، أريده أن يأتي لأراها وأعيش قربها.....يكفيني أن أنظر اليها كي أحيا....
تمنيت قدوم الصباح ..عل أحدا يساعدنا على الخروج..
وبنفس الوقت ..تمنيت أن لايأتي..كي أظل قرب عطرها..رغم أنها لم تضع أي عطر...كي أبقى استشعر قربها...ياصغيرتي الغاليه...نعم...
أستشعر حرارة ودفء حنانها...
لاتتركيني ياطفلتي..فلطالما حملتك وأنت صغيرة...
كوني معي...حتى ولو..لليلة واحده..دعيني ،،،، فقد ولد حب جديد في قلبي تجاهك....حتى وإن لم تعرفيه ولن تعرفيه...حب بلا مصالح أو خداع...أفضلك فيه على نفسي...
دعيني فقط أنعم بدفء أنفاسك الطاهره، ،،دعيني ياغاليتي..
...ولأمت بعدها.....