يُوافقُ اليَومُ الذِكرْة الخَامسة لِغيابك عني يا عَزيزي ، أنا الآن جالسة على مَقعدِنا المَشهورْ الذي لَمْ يَكُن سِوا لَنا ، هَل تَذكر اليوم الذي قمت فيه بِحفر اول حرف من اسمي و اسمك على هذا المقعد و عندما قلت لك توقف هذا ليس من حقِنا فوَقفت شامِخاً كَالجبل امام زبائن المقهى و قلت بأعلى صوت " يا جماعة اسمعوا شو بدي احكي :هاد الكرسي الي والها ما حدا رح يقعد عليه غيرنا " و لِحُسن الحظ ان صاحب المقهى "العم حسن " كان يُحبُ حُبنا الشديد لبعضنا فلم يُمانع و بقى المقعد لنا لغاية الان ، اتذكر جَيداً عندما جِئْت الى هنا في الذِكرةِ الثانية
عندما حاولتُ جاهدةً مَنَع عيناي من ان تذرف الكم الهائل من الدموعِ، ولكنني لم أستطعْ فأنا رأيتك كثيراً حينها ، رأيتك في وجوه العابرين في الطريق ،يا عَزيزي شَعرتُ للوهلة الاولى ان أربعينك يتكاثرون وحتى أنني رأيتك في وجه النادل الذي استقبلني عند الباب وقال لي أين أنتما منذ فترة طويلة لماذا لم نعد نراكما هنا ؟
أجبته و عيناي تنهمر بشلالٍ من الدموعِ ، و بصوتٍ خافت : هل سبق و رأيت جعفر هنا او في هذه الأرجاء ؟
قال النادل : لا يا عفاف اتذكر ان اخر مرةٍ رأيتهُ فيها كُنتِ انتِ معه ، لماذا هل حدث لَهُ شيء؟
قُلتُ له : لاشيء سوا أنه اختفى من بعد تلك الليلة، ولَم أراه لغاية الان وكأن الارض ابتلعته ولَم تترك له اثرْ، ومن ثم خطر لي صاحب المقهى العم حسن ..
فسألته عن العم حسن فقال لي و دموعه تكاد تغرق عينيه : رحمة الله عليه توفي قبل شهرين ، هل تودين معرفة اخر شيء قاله لي .
قلت له :نعم بتأكيد ، قال النادل : قال لي ان هذا المقعد سيبقى فارغاً و لن يجلس عليه احد سوا جعفر و عفاف .
ثم لم امسك نفسي بعد هذا الكلام و بدأت بالبكاءِ الشديد، فذهب هو مسرعاً و جلب لي منديلاً و كوباً من الشاي بالنعناع لأنني كنت اطلبه دوماً ، ومن ثم قال لي سأتركك الان لتشربي الشاي و تهدئين و ان احتجتي شيء اندهي لي ..
في اول رشفة لي من الشاي تخيلتُ جعفر امامي وينظر الي و يقول لي بِحُب " جعل ما حدا شرب شاي غيرك يا عفتي".
و في رشفتي الثانية تخيلت تفاصيل وجه جعفر و هو ينظر لي بعمق و يقول لي : "شوفتك يا عفاف وانتِ بتشربي الشاي وانتِ مبسوطة هيك بتسوى الدنيا و ما فيها" ..
و بقيت هَكَذَا اتذكر لحظاتنا على هذا المقعد وانا ابكي بحرقة حتى غفوت عليه او لربما اغمى علي من فرطِ التعب و ذرف الدموع ..