هذه هي ليلتي الأخيرة، الآن أو بعد ساعات قليلة سأعتزل التمثيل في مسرحية الحياة سأجلس على المقعد أرتجلُ نص أخير ثُمَ سأضحك بوجه المخرج وأُنهي نصي بـ : هذه هي النهاية، مسرحية الحياة كانت مُتعبة والتمثيل إستحقَ عناءًا كبيرًا.
صحيح أنَّه لا أحد بإمكانه إدراك وقت إنتهاء مسرحيته ولكنَّ الطبيب أخبرني أنَّها ليلتي الأخيرة ثُمَ سأعتزل الحياة للأبد، لم أتوقع أنَّ مهنةَ التمثيل هذه ستكون صعبة ولكنني مثلتُ أنني سعيدة وفخورة بنفسي مثلتُ أنني في القمة وحققتُ كُلَّ ما أحلُم، مثلتُ أنني أُحب نفسي وأحب عائلتي والوطن والأصدقاء والأرض والبيت وحتى غرفتي وأعتقد أنني إتقنتُ التمثيل جيدًا للحد الذي يجعل الجميع يراني مثال للسعادة والقوة والعزيمة، ولكنني بالحقيقة أمقتُ فكرة أنني سأموت غدًا وإنْ شئت فإنني مُنهارة تمامًا وأمقتُ أنني لم أُحقق شيء مما حلمت،ْ لن أرى إسمي على رواية ما، أكره أنني سأختفي عن الوجود ولن يذكرني أحدهم، أنْ أموت وأنا لم أقرأ ما يكفي من الكُتب. قبل انْ أرى فلسطين كُلها، شئت أم أبيت فأنا أكره نفسي كثيرًا وأكره البيت والأرض وما عليها!
ولكنني فخورة بتحملي لِكُل هذا الألم، بكوني صبرتُ على المستفياتِ والأطباءِ والأدوية.
مِثلما قُلتُ سابقًا؛ الحياة كالمسرحية يتم إختيارنا لنبدأ تمثيل فُنخرج الى العالمِ وتُسلمنا ما تُسمى بالعادات والتقاليد النص المطلوب: لا تذهب، لا تأتي لا تحلم لا تُحب لا تمرض لا تموت لا تتمرد لا تقرأ لا تكتب لا ترسم لا تتأمل لا تتفائل لا تعشق لا تكره العائلة لا تكره الوطن، وبالمقابل: تكسرنا العائلة ويخوننا الوطن وتقتلنا العادات ونموت في مُحاولة تمثيل النص المشؤم، ثُمَ ينعتوننا بالأغبياءِ ونحن الذين حَطَّمْنا البلاد ولكن البلاد مُحطمة فحطمتنا معها، الأحمق يراه الجميع قُدوة ولتنال شُهرة يكفي أن تتراقص خلف الشاشة وبينما تكتب أو ترسم أو تقرأ لا يراك أحدهم حتى يصبح الجميع كُتّاب ورسامين والمُتقن لفنه لا يراه أحد، لسنا من حَطَّمَ البلاد بل البلاد قتلتنا!
لليوم عانيتُ من مرضي الكثير كتبتُ مئة رواية ومزقتُها، كتبتُ نصوص كثيرة وقتلتُها وأستمريتُ حبلى بالألمِ لسنين والآن بعد أنْ تَحطمَتْ روحي وبكتْ بقايا قلبي وفي ليلتي الأخيرة هذه سيُكتب على قبري غدًا: "عانتْ سنين من السرطانِ سترتاح الآن عند الخالق"!!