تبتهل القلوب، وتمضي الأيام مسرعة وكأنها على عجلة من أمرها، تدور بنا الدنيا ونسمع أَنين المذنبين وبكاء المحتاجين
نخرج من هذه الروحانية كالذهب الخالص لا يشوبه غبار الطلع أو بقايا المطر
أو حتى أنفاس المتعبين الذين أُرهقوا من ثقل الذنوب، نخرجُ صفحةً بيضاءَ لامعة
لا شوائب عليها، كطفلٍ خرجَ من جوف أمه مصفى من دنسِ الحياة لا يعرف مسارًا غير لبن أُمه التي مازالت تتألم من مخاضها، تعلوا أصوات المكبرين في المساجد يصطفوا جميعاً بأدوار متتالية تراهم كالبنيان يشد بعضهم بعضاً لتستقيم القلوب، ولتبدأ رحلة الإيمان إلى الله، الغوص والتأمل، لنتفكر بكلامه سبحانه، مغمضاً عينيكَ رافعاً وجهكَ إلى الله...
عن جمال هذا الشعور عن عظمة الخالق، يكبو الفتى على وجههِ ساجداً مغمساً نفسه في التراب متلهفاً للقاءِ الله
للحديثِ وللنظر للطلبِ والرجاء والمغفرة
ما أوحشَ الله منك... شخصاً كان شاخصاً نظره للسماء
قد وافته المنية في بيت الطهر في بيت الإيمان، والآخر أطعم مسكيناً وفي عودته اصطدم بغيره فخرَّ ميتاً على الأرض، إمام مسجد يؤم بأهل بيت الله في الركعة الثانية من صلاة الفجر قرأ
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف: 107، 108].
أيّ نُزل هذا الذي كانَ ينتظرك؟ وأيّ رفعة كنت أنتَ بها
ساد الصمت بقلب الخشوع، لا نسمع سوى تمتمات الغرباء عن الدنيا تعلوا وجهوهم السكينة
بينما كانوا يدثرون ميتهم، وترى العيون شاخصة، فاح المسك من وجنتيه، بأي قلب سيلقى الله؟ بأي حبٍ سينالُ رضاه..
لا تدري كم من فؤادٍ غريب في الدنيا، قريب عند الله
كم من منزلة كنا نحسبها عالية في الدنيا وهي عند الله لا تساوي جناحَ بعوضة، وكم من أشعث أغبر مدَّ يده لله ما أنزلها إلّا وقد حقق مُناه، اي مُنن هذه التي حُققت في الخفاء، أيّ إغاثة طرقت هذه الأبواب، لعل السبب وراء كلمة خير نطقَ بها ولم يلقِ لها بالاً
فـكم من ضغينة وحسد وغل كانوا مفسدة للقلب، واي مفسدة؟؟
تذهبُ إلى مكانٍ لا يعلمه إلا الله تجول في وحدتكَ حتى تمل من الوحدة، أيّ أرضٍ هذهِ؟ تنزلق من أعلى قمة الجبل فمن يُقيمك؟
من يتولى جميع أمرك؟ وأنتَ وحدكَ مع نفسك؟
الله جلَّ في عُلاه ينتشلكَ من ضيم السكوت والغربة، ويدب في نفسك الراحة والطمأنينة، فأيّ ملاذٍ الذي تتحدث عنه؟
كل ملجأ دونهُ كاذب، كل ركنٍ تنظرُ إليه وكل زاوية هي فارغة لا تعنيكَ بشيء
في نهاية اليوم تجلسُ أنتَ مع نفسكَ لا مع غيرك، تجدها تائهة لا تعرفُ الوصول، دلها وكن عوناً لها
صلاة الظهر في مساجد الرحمة تنظر إليهم اي عظمة هذه التي جمعتهم تحت صوتٍ واحد "إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثوراً" مُبدداً مصبوبا، غشيتهم الرحمة وحلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وذكروا الله فيمن عنده..
اللهم أحسن خاتمتنا 💙